يحمر وجهه عندما يتحدث إليه شخص غريب.. يغمض عينيه ويغلق أذنيه.. يدفن رأسه في حضن أمه... يبقى هادئا، صامتا، جالسا إلى جوارها في الزيارات العائلية.. يفضل اللعب منفردا بعيدا عن الألعاب الجماعية.. يهرب إلى الداخل عندما يزورهم قريب إلى المنزل.. يتحدث بصوت خافت..ولا يكون صداقات في المدرسة.
هذا طفل من بين كثير من الأطفال نراهم في مجتمعاتنا.. أو ربما في بيتنا..
طفل خجول ينكمش ويتجافى عند ملاقاة الآخرين..لا يقوى على الإندماج في الحياة مع أقرانه.. ويتسم سلوكه بالجمود والخمول بعيدا عن الاختلاط والمشاركة.
يتذمر الأهل كثيرا من تصرفات ابنهم ويلومونه أحيانا، مع أنهم في كثير من الأحيان يكونون السبب في كونه خجولا منزويا..وذلك بإستخدامهم أساليب عشوائية في تربيته والتي تتمثل في طرق مختلفة.. كإستخدام القسوة واللوم المتكرر والسخرية منه وكثرة توبيخه ونقده أمام الآخرين، والشدة الزائدة على الطفل في أن يكون مهذبا، والإفراط في توجيهه وإرشاده، أو إهماله وعدم الإكتراث به، أو التذبذب في معاملته كإستخدام الحزم والشدة تارة والتساهل والتدليل تارة أخرى، أو المبالغة في تدليل الطفل والخوف الزائد عليه من أي أذى أو خطر، ومنعه من خوض التجارب واللعب والمشاركة، وميل الأم أحيانا في إعتماد الطفل عليها في كل شيء مما يعود الطفل الاتكالية والاعتماد على الغير ويفقده الثقة بنفسه.
وقد نجد الأم أحيانا تلجأ إلى ترك الطفل أغلب الأوقات في البيت عند قيامها بالزيارات العائلية أو زيارة الصديقات برعاية الخادمة بحجة أنه مزعج ومخرب وأن وجوده في بيته في ضل توفر أغلب متطلباته أفضل من إصطحابها له في زياراتها.. وهذا بالطبع يؤثر بطريقة غير مباشرة على الطفل وظهور بوادر الخجل عنده.
وقد يترتب غياب أحد الوالدين أو كليهما أو نشوب الخلافات الحادة بينهم بكثرة في نشأة الخجل لدى الطفل.. لفقدانه العاطفة والتوجيه مما يسبب له المخاوف التي تشعره بعدم الأمان حيث يؤثر ذلك على نفسيته ويؤدي به إلى الإنطواء والخجل.
ولا ننكر أن هناك مسببات أخرى للخجل غير التربية الخاطئة من قبل الآباء.. فالعامل الوراثي له دور في خجل الأطفال حيث أكدت نتائج الدراسات أن الخجل يولد مع الإنسان، لأن الجينات تنقل الصفات الوراثية من الوالدين إلى أبنائهم بنسبة 50% فالطفل يرث بعض ما لدى والديه من صفات، ويرث بعضها الآخر أحد إخوته، وهذا مايفسر ظاهرة الفروق الفردية بين الإخوة.
وقد يحدث الخجل نتيجة لوجود عيوب خلقية في الطفل، كالسمنة المفرطة، أو الطول الزائد، أو التأتأة في الكلام، أو ضعف في البصر.. كل هذه الأمور تجعل من الطفل شديد الحساسية يشعر بالنقص وفقدان ثقته بذاته وبالتالي شعوره بالخجل.
وعلى آباء هذا الطفل أن يعالجوه من خجله عن طريق تصحيح فكرته عن نفسه وعلى قبول النقص الذي يعاني منه على أساس أن لكل منا نقاط ضعف، وأن نحاول أن نبرز نقاط القوة لديه..
ويستطيع الأهل التغلب على مشاعر الخجل عند أبنائهم من خلال تصحيح كثير من المفاهيم التربوية لديهم، وإتباع أساليب التربية السليمة التي تقوم على توفير مناخ عائلي يسوده الحب ويشعر الطفل بالأمان..والبعد عن توجيه النقد الشديد والكلمات الجارحة إليه خصوصا أمام الأصدقاء حتى لا يشعر الطفل أنه غير مرغوب فيه ويزيد من إنطوائه وخجله.. وأن يشعرا الطفل بالتقبل والتقدير والإنصات له عندما يتحدث عن نفسه ومشاعره وقلقه ومخاوفه ومشاركته إهتماماته.. وأن نبتعد عن أساليب المقارنات بين الإخوة والأصدقاء لكي لا يشعر أحدهم بالنقص والدونية.
وعندما نصطحب أطفالنا معنا في زياراتنا للأهل والأقارب ونطلب من الأطفال عامة والخجولين منهم خاصة السلام على الموجودين ونمتدحه أمامهم ونأمره بالمساعدة والمشاركة خلال هذه الزيارة كأن يساعد في توزيع الحلوى مثلا بما يتناسب مع قدراته بحيث لا نكلفه بأعمال تفوق قدرته وأن نسمح له باللعب بعيدا عن الأهل مع الإشراف عليهم..كل ذلك يساعد الطفل على التخلص من الخجل الزائد لديه، وينمي ثقته في نفسه.
ومن الحلول التي تساعد على تخفيف حدة الخجل لدى بعض الأطفال أن تخفي الأم قلقها الزائد على أبنائها أو المبالغة في تدليلهم وأن تترك لهم مجالا لمواجهة المواقف والإعتماد على الذات..وأن تشجعهم على المشاركة في الأنشطة المدرسية التي تكتشف مواهب الطفل وجوانب القوة لديه وإبرازها أمام الناس والإفتخار به ومكافأته على سلوكه الجيد..
وقبل ذلك ينبغي أن يكون الأهل نموذجا جيدا للسلوك المنفتح والإجتماعي كي يحتذيه الطفل، فالأطفال يتعلمون بمراقبة سلوك أبائهم.
الكاتب: سمية السحيباني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.